مشهد رائع من بلادنا:ستي فاظمة عروس الأطلس..

الصفاء بريس:تحقيق محمد أرباع
ستي فاضمة إسم لمنتجع جميل يضم مداشير جبلية عدة تحيط بها المروج والحقول كما تحيط الرموش بالعين من أهم مناظرها الخلابة شلالاتها الدافقة الجذابة وعين أولماس تبعد عن مدينة مراكش حوالي 60 كيلومترا..حبا الله هذا المصيف الرائع بمناخ جميل وفريد من نوعه وجبال شاهقة كثيفة الأشجار والإخضرار تغريه هواة تسلق القمم الجبلية يغذق أريجها الفواح على المنحدرات والمرتفعات بهواء لطيف ينعش النفس فيما تلفح الشمس المطلقة من وراء قمة جبال توبقال أعلى قمة بالاطلس الكبير 4164م وهو ما يملأ النفوس إرتياحا وانشراحا ليبقى هذا الجمال الطبيعي الأخاذ البلسم لتضميد جراح تنزف آلاما وحسرة وأسفا بقلوب ساكنيها والزائرين لها بعدما تعرضت لكارثة شهر غشت 1995.
إن حقبة مهمة من تاريخ المغرب والأبدلس مرتبطة أشد الإرتباط بهذه المنطقة المحتضنة لمصيف ستي فاظمة خاصة وأوريكة على وجه العموم ذلك أن القائد المرابطي العظيم يوسف بن تاشفين الذي كان مستقرا بأغمات قبل تأسيسه لمدينة مراكش قد زحف بجيوشه من هناك في اتجاه الأندلس لإيقاف الجيش الإسباني عند حده بعدما تفاقمت تحرشاته بمسلمي الاندلس حيث تم دحرهم وهزمهم شر هزيمة في موقعة الزلاقة ومن هناك تم أسر المعتمد على الله محمد بن عباد رفقة أسرته إلى أغمات التي توفي بها إذ لا زال قبره خير شاهد عن تلك الحقبة التاريخية المهمة ويبقى على شكل مزار لمؤرخين والمهتمين للوقوف به والترحم على روحه.
إن تلك الفترة الذهبية شغلت ولا زالت تشغل بال الكثير من الأدباء والشعراء لما أحيط بها من ملابسات إختلفت حولها الآراء والكتابات والأشعار يقول في شأنها الأستاذ أحمد التوفيق في كتابه التشوق “ص84″…والمرجح ان أغمات أمر جمع من فعل غم الذي يعني عند الإمازيغ خضب .
أغمات هاذه إحدى المعالم التاريخية والسياحية تقع عند قدم السفح الشمالي للأطلس الكبيرالغربي على بعد 30كلم جنوب شرق مراكش عبر الطريق الإقليمية 2017المتفرعة عنها الطريق الإقليمية 2010 المؤدية لبلدية تاحناوت العاصم الإدارية لإقليم الحوز ومنها إلى مولاي إبراهيم طير الجبال ومنتجع أسني الرائع.
إشتهرت أغمات تاريخيا كحاضرة للتصوف بامتياز والشاهد على ذلك أن كبريات المصنفات المهتمة بالتصوف وتاريخه لا تخلو من ذكر رجالات الصلاح والسلوك الصوفي من الأغماتيين سواء المقبورين بها أو المرتحلين عنها بعدما استلدوا بمقامهم على أرضها الفيحاء واستعذبوا بنسيمها الفواح ويعد حمام إشويحن الأثري ومسجد قديم تم إكتشافه مِؤخرا في إطار المشروع الأثري للمدينة العتيقة الذي بذأ سنة 2005 ويعود تاريخه لعهد الموحدين أهم الآثار التي لا زالت قائمة تقاوم الزمان من أجل البقاء .
وحتى لا نبقى بعيدين عن مربط الفرس وبعد تخطي منعرج إثنين أوريكة يدلف المرئ إلى جنة عجائبية مخضرة الجنبات ممتدة على مسافة 20كلم تبتدأ من دوار تافزة الذي يقدم مختلف الآوان الطينية والخزفية في اتجاه مصطاف ستي فاظمة مرورا بمنعرج أوكايمدن أحد المحطات المهمة للرياضات الشتوية بشمال إفريقيا .
رحلة شيقة تواكب الضلال والإخضرار تجعل المسافر معها مشدود الأنفاس والخيال لما يراه بها من روعة ومهابة وسحر طبيعي خلاب يملأ النفس أملا وتفاؤلا في أن يظل مغربنا الحبيب رائعا آمنا وشامخا منتصب الهامات أمام الأزمات والكوارث والتحديات .
إن الطبيعة بستي فاضمة لم تبخل لكن المسؤولين المتعاقبين على دواليب الشأن المحلي بخلوا إلى درجة الشح إذ لا زالت هذه المنطقة تجتر ديول الخصاص على أكثر من صعيد بالرغم من أن الفرصة السياحية مواتية من أجل الإستثمار بل تكاد تكون ممتازة من خلال ما يأمها من السياح الأجانب من مختلف جهات المعمور قادمين إليها بشكل يومي وعلى طول السنة بينما تعرف توافد لايستهان به للمواطنين المغاربة خلال فصل الصيف على الخصوص إلا أنه فهذه المنطقة السياحية تبقى في أمس الحاجة للعديد من المقومات لكي تلعب الدور المنوط بها وفي انتظار ذلك فالظروف الحياتية لسكانها محدودة جدا تحاصرها عدة عوامل منها ما هو إقتصادي واجتماعي وعمراني لأن موارد السكان لا تخرج عن نطاق ال‘مال الفلاحية وداخل بقع أرضية صغيرة المساحة تنتج مختلف أنواع الخضروات بما فيها البطاطس التي تعد المنتوج الرئيس للمنطقة وبعض الغلال كالتفاح البرقوق وحب الملوك .
يشتغل الرجل أو “أركاز” الذي هو جمع”إركازن” جنبا إلى جنب المرأة أو”تمغارت” التي يقابها مصطلح”أمغار” الذي هو شيخ القبيلة لان المرأن بهذه المنطقة الجبلية أو”أدرار” إمرأة متالية تحب العمل وتتحلى بروح التضامن والتعاون فالرجل يهتم بعملية الحرث أو”تايرزى” لحصاد أو”تامكرة” الدرس والتشجير السقي والتجارة البناء وتنقية الحقول أو إكران بينما المرأة تقوم بجني المحاصيل والبحث عن الحطب والحشائش وتسهر على عملية الرعي إضافة إلى أشغال المنزل أو “تكمي” وتربية الأطفال وإحضار الوجبات في ظروف يمكن وصفها بالقاسية جدا تتمثل في الصعود والهبوط من وإلى الدوار الذي يتواجد عادة بحكم الموقع الجغرافي بالأعالى ووسط الفجاج .
يتميز سكان ستي فاضمة المعروفين بطيبوبتهم وببساطة عيشهم بقيم راسخة وبعادات وتقاليد أبرزها الحرص على التخاطب باللهجة الأمازيغية كتعبير عن كيان متأصل وحضارة تضرب في عمق التاريخ والتمسك بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف وتسخير الإمكانات المادية والغدائية “تارتبيت” للقائمين عليها من إمام فقيه المسجد ومؤدن وحفظة القرآن الكريم “إمحضارن”.
إن مصيف ستي فاضمة موقع جبلي رائع لا ينقصه سوى إلتفاتة من المسؤولين لتوفير سبل العيش الكريم للسكان وذلك بتعميم التمدرس وتشجيعها حت لا تبقلا الفتاة الجبلية محصور دورها على الأشغال المنزلية ويبقى دور الطفل منحصر على الأعمال الفلاحية والرعي هذا دون نسيان الإهتمام بالبيئة ومحيطها والعمل على إيجاد مخرج لازمة النقل العمومي فلا يعقل أن يتم تكديس الركاب داخل سيارات متلاشية تدعو حالاتها الميكانيكية للشفقة مع تهيئ فرص الشغل لشباب المنطقة العاطل وتركيز النشاط السياحي عما هو تنموي بدل تحويله غلى مجال مربح وعلى حساب السياح المحليين والأجانب وذلك من خلال إحترام القدرات الشرائية للزوار وإخضاع الأثمنة للضوابط القانونية وهنا تبرز أهمية القسم الإقتصادي والإجتماعي لعمالة الحوزلقيام بواجبه في هذا الصدد ،لأن في ذلك ما يحافظ على مصيف ستي فاضمة جميلا بهيا متطورا ويتساؤل المتتبعون عن الأسباب الكامنة وراء عدم إعطاء انطلاقة لربط المنطقة بورزازات وهو المشروع الهام الذي سيجل من الحوز برمته وكذا الجهة نقطة إقلاع اقتصادي منقطع النظير.
إن ستي فاظمة التي يطلق عليها البعض سويسرا المغرب ولبنان المغرب كانت وما تزال وسيبقى ستي فاظمة المغرب سيدة الروابي الخضر وعروس الأطلس الحسناء ،فيا لها من لحظة متعة وهناء صافيين حينما يصدح صوت قادم من الفضاء بزغرودة بصيغة المؤنث وبأهزوجة أمازيغية يتردد صداها بين قمم الجبال الشماء أو عند ضفة النهر العذب فيمتزج الصوت الرخيم بخرير المياه وزقزقة الطيور وحفيف الأشجار ليكتمل لحن معزوفة رائعة مفادها يا ستي فاضمة يا عروسة بين الجبال.
Loading...