المسرحية لا تأتي من فراغ.

رشيد ماهر

أثناء تواجدي بدار الشباب حمان الفطاوكي بمدينة الجديدة تابعت تمرينا لمسرحية الأعداء الثلاث التي هي من تأليف : عبدالمولى الزياتي , وإخراج : عبدالرحيم أنسناسي’ فكانت مشاغلهم عند المرين فرصة لي للتمعن والمتابعة لما يعانيه المسرحي .

المؤلف:
حين يجلس الكاتب المسرحي على مكتبه , ويضع الكراسة أمامه والقلم بين أنامله عازما متأهبا لتسطير نص مسرحي يروي قصة تعرض العلة وتبين البلسم .
تأخذ جل شخصيات المسرحية مكانها بتتابع داخل مخيلته مستعدة لتنطلق أشباحا في فضاء واسع فسيح مشبع بالواقع المرير , تتصارع , تتضارب , ترتفع لتنهار’ وتتقلص لكي تنفجر ,,, ففي ارتفاعها تطفو فوق النجوم لتعانق الكواكب المسافرة عبر الزمن , ولتنهار كضباب يلف المحيط فيجعل من جماليته سحرا , ومن سحره خوفا ينتظر خلف الستار , لتتقلص بعد ذلك في كراسته وبعد أن يكون النص بها قد التئم , والرؤيى قد اكتملت , وأصبحت المسرحية جاهزة للعرض على الشريك.

المخرج :
بقراءة أخرى وتصور آخر ينكب المخرج على النص المسرحي وهو يحمل أفكار المؤلف قبل أفكاره يمزجها معا في الأخير في مزيج نقي صاف يبث من خلاله كافة مواهبه وخبرة دراسته بما سبق ولما سبق كي يجعل للمسرحية المعروضة عليه حاضرا قويا يجعلها تقف شامخة فوق الخشبة ينحني لها الجمهور , وعروس قل نظيرها تصفق لها الأيادي وتهتف بها القلوب وتجاذبها الألسن هنا وهناك ويعانقها الناقد ليبث فيها نفسا طيبا أو سما زعافا .
الفرقة:
حين يصل النص بيد الممثل الذي سيقوم بتشخيص المشاهد كما تصورها المؤلف في مؤلفه والمخرج في اخراجه وبعد تحديد دوره الذي يناسب شخصيته أو يلامس مواهبه يحمل تلك الشخصية التي كانت مجرد شبح كما ذكرنا أعلاه ليجعل منها شخصية ذاتية تتعامل وتتفاعل مع بقية الشخصيات المشكلة لأسرة المسرحية والملامسة لأحاسيس الجمهور وأذواقهم , يكون الممثل غيورا على شخصيته الجديدة حازم على انجاحها وإعطاءها ما تتصف به في النص وكأنه عايشها أثناء الولادة في مخيلة المؤلف وأثناء الإخراج حين كان المخرج يبين له حدودها وما يجب ان تظهر عليه للجمهور وكم من مرة يسمع من هذا المخرج أعد المشهد فانه لا زال بعيدا عن شخصيتك !… يقوم الممثل بإعادة المشهد وان لم يرضى عن توجيه المخرج له الذي يعامله كأب يربي في طفله ويرشده لما يجب أن يفعله وما لا يفعله وحين يتم الإثقان للشخصية تجده مندفعا نحو الفضاء المسرحي يصول ويجول مشحونا بنشوة النصر والفوز بكسب شخصية اخرى تنضاف الى بقية الشخصيات التي سبق له ان لعب ادوارها وتقمصها بامتياز ولما لا تصبح شخصيته الثانية الشبحية بعد شخصيته الحقيقية الذاتية . عبدالرؤوف أليس هو حمادي التونسي أو العكس هو كذلك صحيحا .
الجمهور
حين تعرض المسرحية نبقى أمام جمهور كثيرا ما تبقى بعض الكراسي فارغة في حضوره وان كان المسرح صغيرا والمسرحية تمس بوجدانه وتعري عن واقعه وتبين مكمن العلة في حياته ومعيشته وموطن همومه , تنطلق المسرحية مع منطلقه وتصب في وجدانه فتحمله مسؤولية ما يقع كونه شريك به بذكائه كما بغبائه , بيقظته كما بغفلته , بحماسته كما بتجاهله , اذن لا يعقل ان يشاهد الجمهور ما يفوق مائة عرض مسرحي خلال الايام التي مرت من حياته وتراه لازال لاه عند العرض عن المسرحية أو منشغلا بهاتفه الذكي بحثا في الميسانجر محاورا في فراغ قاتل والممثل يتصبب عرقا لإظهار مواهبه المسرحية ويركض هنا وهناك محاولا ايصال الرسالة بأسرع وقت ممكن لأقل جمهور عسى أن يكون هذا الجمهور رسلا لمن تخلى عن المجيء أو رفض الحضور لقاعة المسرح
الحقيقة من يتابع المسرحية بتمعن ومشاركة تجده في قمة السعادة وما أجمله جمهورا وأسعده إنسانا منح عقلا وفكرا جعله يشارك به منتوجا جاء من عصارة أفكار وسهر مؤلف وتعب مخرج وكد ممثل ومعانات طاقم من المكلفين بالإنارةوالتأثيث والتركيب والتنظيم والسهر على راحته خلال دقائق العرض , نعم هي مسرحية شهور وقد تصل في بعض الحالات الى سنوات تعرض في دقائق أو ساعات ومع ذلك نجد أنفسنا لا نعير اهتماما لبائع القبعات أو راسم اللوحات أو مزين الساحات .
المسرح صرح قائم بأمان , والمؤلف مبدع موجود منذ زمان , والمخرج ضابط ساهربإثقان, والممثل مناضل ونجم و فنان , ونحن الجمهور نبحث عن مسرح بالمجان أو لا مسرحا في الزمن أو المكان .
إذن لمن يحتاج المسرح حتى يكون لنا مسرح ,,,؟.

Loading...