عن اي تعامل إجتماعي نبحث…؟

الصفاء بريس:رشيد ماهر

جلست للحظة تأمل ، راجعت أمسي ويومي حول تعاملاتي الإجتماعية ، فكرت واستنبطت وسألت نفسي مرارا وتكرارا بنفس السؤال ، عن أي تعامل إجتماعي نبحث…؟
تبادر لذهني عدة أجوبة توالدت متسارعة لتلفني في كنف الحيرة والتيه بين عوالم الماضي وبحور الحاضر فكان للماضي روحانيته وللحاضر واقعيته، ووجدت نفسي ببنهما الذكي المتحاذق و الساذج الغبي .
التعامل الإجتماعي دروب من تفاعلات بشرية ومن تراكمات بيئية وأمراض نفسية ومصاعب تواصلية واكراهات ظرفية وصراعات طبقية ومعرفية وتداخلات فكريةو ثقافية وتضحيات إنسانية ونضالات حقوقية وسياسية وبيع وشراء وسمسرة في ما بينهما وأخلاق تذيب أهلها تدريجيا كما تذيب النار الشمع، وعقول تعذب أصحابها اهتماما بما هو إنساني وفكري وتطلعي وتحرري و…….
التعامل الإجتماعي مسرح حطمت كل الحواجز فيه ،ورفع الستار عن غالبية فضاءه، وسدل الستار عن أجزاء منه ،وكواليسه ظلمات في غياهب الظلمات، وممثليه غالبيتهم مرتجلين للنص لا ينضبطون له ولا لتوجيهات المخرج ، غالبيتهم أيضا يرفضون الظهور أمام الأضواء الكاشفة أو التقيد بقيود الركح فلا هم على يمين الجمهور ولا هم على يساره ولا بوسط الخشبة التي لا تكاد تضبط لهم مكانا ، بعض الممثلين بالرغم من عدم دراستهم للمسرح وقواعده، وقد يكون جهلهم لادوارهم واضح وجلي، إلا أنهم يصرون على تقمص الشخصية التي يرغبون في لعب دورها وهم مصدقين أنهم أثقن لها من من غيرهم وخاصة من خريجي المعاهد العليا ومدارس الفنون المختصة ، ومن كان على علم ومعرفة وتكوين ودراسة تجده يكابد من أجل إطالة دوره وترتيب مداخل حواره وينتظر الكلمة المفتاح ليصول ويجول ويتفنن في إيصال رسالته للجمهور وقد ينتهي دوره بعد مرور السنين دون أن يسمع صرخة عاشق لفنه أومشجع لدوره أو مصفق لانجازاته فيخرج من الخشبة دون تنويه أو بلبلة. .
تبقى تعاملات أغلبيتنا مبهمة واغلبيتنا هامشية واغلبيتنا عدوانية واغلبيتنا تضحيات واغلبيتنا تعاملات اكراهية وملزمة فبالله عليكم احبتي كم لنا من اغلبيات…؟ وكم من أغلبية غالبة واغلبية مغلوبة على أمرها أو مغلوبة بأوامر غالبيها ….؟
أما اقليتنا والتي نغبطها على اقليتها اولاءك اللذين لا تعامل إجتماعي عقلاني عندهم ، فهم لا يفرقون بين الغريب والقريب ولا بين الصالح والطالح ولا بين العاقل والمعتوه ولا بين الذكي و البليد ، رفع عنهم القلم فارتاحوا ووجدوا علة التشرد والنسيان وافتراش الأرض والتحاف السماء والصراخ في الفراغ والضحك لسبب أو من دونه ، راحة لأنفسهم وطهارة لحياتهم وسلامة لاجسادهم فتركونا في حرب فاقت زمن البسوس عمرا وفي غفلة كأهل براقش افتضاحا وفي هم ووساوس كأم تأبط شرا وفي مقتل كالمتنبي المقتول مرتين .
تركونا وتركنا أنفسنا وفي هذا توحدت اراءنا وتعاملاتنا فنحن نعتصر آلاما كنا طرفا فيها بتعاملاتنا وهم غارقون في آلام لا يشعرون بها، فكان شعورنا عذاب وكان شعورهم سعادة.
حين نتعامل بما نحن عليه الآن كأمم نميل للقوى العظمى فنموت في محاولات الهجرة لها والتقرب إلى أسيادها والالتزام بسياستها وشريعتها وقوانينها وإن تكن ضدا عن مبادئنا وعقيدتنا وهويتنا فنجرم اضعفنا ونتنكر لهم ونطبع مع أقوانا ونختلق لذلك تبريرات يعجز حتى الغبي منا أن يقبل بها ويصدقها.
إنتهت تعاملاتنا الأولى حين لم يكن التاريخ يدون إلا ما دونه الاقوياء والمنتصرين والمتحكمين في ساحات الامم الغالبة أما القوة الضعيفة المهزومة فما عليها سوى الطاعة العمياء أو النضال المرير لأجل التحرر والانعثاق.
بيئتنا المحدودة أصبحت مكشوفة في تعاملاتنا الإجتماعية حين أصبحت كل النوافذ مشرعة والأبواب موصدة وتعودنا على فضح بعضنا البعض بدعوى حرية التعبير وعلى ظلم بعضنا البعض بمبرر أننا ظلمنا قبل وما ظلمنا إلا انتقاما ورد الصاع صاعين.
المؤذب الخلوق المستحيي الكريم الحنون والسخي ومن هم على شاكلتهم لم تترك لغالبيتهم فرصة للاستحواذ على مسرح الحياة فتعاملاتنا قتالية حتى سمعناها من قبل ونسمعها الآن حين نسأل: كيف الحال ؟ فيكون الجواب: نتقاتل مع الزمان! .
أف لي ولأفكاري التي تروم للاصلاح والإصلاح في موقعي ليل بلا صباح .
اف لي ولعقليتي التي اختارت أن تكون للمحبة توأم، وللحياة عشقا وولها ، وللإنسانية خادما مطيعا .
عزائي إن يكن لي من عزاء أنني وجدت من يقرأ كلماتي ويفكر معي في البحث عن كل السبل المتاحة لتحسين تعاملاتنا مع بعضنا البعض وزرع بذور المحبة والاخاء والمواطنة في النفوس عسى أن نترك لابناءنا وطن يستحق أن ننتسب وينتسبون إليه.
إن لم يكن هوسي هوسك ووجعي وجعك وأفكاري أفكارك ، فعلى أي تعامل إجتماعي نبحث….؟

Loading...