اليوم العالمي للسياحة و رهان المغرب السياحي ما بعد كورونا : ” السياحة البيئية و الريفية و تنزيل الجهوية السياحية “

الصفاء بريس: محمد تويمي بنجلون

بمناسبة اليوم العالمي للسياحة الذي تنظمه الأمم المتحدة و الذي يحمل هاته السنة شعار :” السياحة و العالم القروي ” … هذا اليوم العالمي الذي قرر المنتظم السياحي الدولي في شخص منظمة السياحة العالمية ” UNWTO ” التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة منذ دورتها الثالثة المنعقدة آنذاك بطرمولينوس الإسبانية في سبتمبر 1979 أن يحتفل به منذ سنة 1980 في 27 سبتمبر من كل سنة ، و هو اليوم الذي يصادف الذكرى السنوية لإعتماد النظام الأساسي لمنظمة السياحة العالمية بتاريخ 27 سبتمبر 1970 …
و من تمة ، فلا يمكن أن تمر هاته المناسبة هاته السنة دون إحيائها بهاته السطور و مباركتها بهذا المقال ، لكل المشتغلين بهذا القطاع في وطننا الحبيب ، و لو أنها تأتي هاته السنة في جو من الحزن و الدموع بعدما كنا نحييها وسط زبنائنا و جولاتنا ، فإذا بنا نحييها اليوم فوق أسرتنا خلف جذران منازلنا جراء هاته الجائحة … لكن و رغم ذلك فهناك بوادر أمل تلوح في الأفق لفتح السياحة من جديد و قريبا في العالم ، من خلال الإجتماعات التي عقدت بين رئيس المنظمة العالمية للسياحة السيد ” زراب بولوليكشفيلي” خلال زيارته على رأس وفد رفيع لمنظمة الصحة العالمية و رئيسها الدكتور ” تيدروس ” و الإتفاقيات و التوصيات التي خرجوا بها ، كتوجيهات واضحة و مباشرة لكل الدول بفتح حدودها للسياحة العالمية و التعامل معها بمرونة مع إتخاذ بروتوكول صحي محدد للتعامل مع الجائحة … و لعل أيضا الرسائل الموجهة منهم لشركات النقل الجوي و البحري و الجوي و كذا لوزارات السياحة بدولها الأعضاء حول هذا البروتوكول و هاته الخطوات مؤخرا لأكبر دليل على ذلك …
لكن ما أثارني بخصوص هاته المناسبة خلال هاته السنة ، هو الشعار الذي وضعته منظمة السياحة العالمية UNWTO لها هاته السنة : ” السياحة و العالم القروي ” … و كأنها ترسل رسالة للعالم أجمع حول مستقبل السياحة ما بعد كورونا ، ألا و هي السياحة البيئية و القروية ، و هو ما أشرنا إليه منذ شهر مارس في فيديوهاتنا و مقالاتنا …
فالسياحية البيئية أو ما يسمى بالسياحة الخضراء ، هي سياحة المستقبل و هي خيار سائح ما بعد كورونا بإمتياز ، نظرا لظروف عدة فيها ما هو إقتصادي و إجتماعي ، و فيها ما هو سوسيولوجي و نفسي … فالسائح الدولي ما بعد كورونا هو سائح مثقل بمجموعة من الضغوطات النفسية و الإجتماعية يريد بسفره أن يرتاح من أعبائها و أن ينساها من خلال رحلته ، و لذلك فهو أتوماتيكيا سوف يبحث عن منتوج سياحي ، يحقق له طمأنينة نفسه و صفائها و رجوعها إلى أصلها الطبيعي من خلال إحداث قطيعة مع كل أشكال التمدن السريع و الإسمنت المسلح و الضوضاء التي يعيشها إثر العولمة و تطورها الخطير … و بناء على ذلك ، سوف تكون السياحة البيئية و القروية خير بديل يحقق له ذلك … و هذا ما سيحقق إقبالا عالميا كبيرا على هذا المنتوج السياحي …
كما أن السياحة البيئية و القروية هي دعامة أساسية للتنمية المستدامة في هاته المناطق النائية … فزيادة على دورها الثقافي في الحفاظ على الموروث الثقافي و الحضاري و أنماط العيش لهاته المناطق القروية ، تعتبر السياحة البيئية و القروية رافدا إقتصاديا مهما لهاته المناطق حيث أنها تخفف من حدة البطالة فيها ، كما أنها تهتم بالتطوير الإقتصادي و الإجتماعي لها من خلال الإهتمام بفئتي الشباب و المرأة و إدماجهما في محيطهما الإجتماعي و الجمعوي السياحي … زد على هذا ، أن هذا النوع من السياحة ينقص و يخفف من الكثافة السكانية التي شهدتها المدن من آثار و مخلفات الهجرة القروية التي ساهمت في هشاشة فئات عريضة داخل المدن جراء ذلك … إضافة إلى مساهمتها أيضا في إنتشار العديد من الظواهر الإجتماعية التي تعوق التطور بهاته الدول كالجريمة و المخدرات و التطرف و غيرها …
فيا ترى ماذا هيأ المغرب في هذا الإطار من أجل مواكبة سياحة ما بعد كورونا و إثبات موطئ قدم تنافسي له في خريطة السياحة العالمية القادمة ؟
إن توجه المغرب للسياحة البيئية في الحقيقة ليس وليد اليوم من حيث الرؤية، بل كان خيارا سياحيا للمملكة منذ مخطط رؤية 2011/2020 … كما أنه كان أيضا خيارا حكوميا سياسيا منذ سنوات عديدة مضت حيث راهن المغرب في سياساته الوطنية على الحفاظ على البيأة بإحداث عدة سياسات و تشريعات في هذا الإطار ، طور من خلالها عدة مشاريع إقتصادية و بيئية موازية لهذا النهج كمشروع ” نور ” للطاقة الشمسية و مشاريع الطواحين الهوائية للطاقة المنتجة من الرياح و عدة صناعات أخرى صديقة للبيأة …
أما في القطاع السياحي فقد ركز مخطط رؤية 2011/2020 من خلال ” المخطط الأزرق ” و التقسيم الجهوي السياحي بإحداث ست جهات سياحية جديدة الذي وضعته وزارة السياحة سنة 2010 ، على السياحة البيئية و إنعاش العالمين و القروي و الجبلي ، و لو أن ذاك لم يتم على نطاق واسع بمختلف جهات المملكة سواء من خلال البنيات التحتية و اللوجستيكية و البشرية أو من حيث متابعة المجالس الإستثمارية الجهوية كشريك للوزارة الوصية في تنزيل هاته الجهوية السياحية … مما لم ينمي بالشكل المطلوب السياحة القروية و البيئية في كل جهات الوطن السياحية و أيضا لم يعطينا تنوعا وطنيا شموليا في المنتوج السياحي البيئي و القروي الوطني …
إن الرهانات القادمة فيما يخص السياحة القروية و البيئية ببلادنا هو رهان كبير يستوجب عقد شراكات وطنية و دولية من خلال تشجيع الإستثمارات في هاته المناطق … كما يجب تدخل وزارات الدولة بشكل مباشر فيما يخص شبكات الربط الطرقية و الجوية و إنعاش الإستثمار السياحي و تشجيع المستثمر بهاته المناطق فيما يخص التخفيف من التعقيدات الإدارية و أيضا القروض البنكية …
إن السياحة البيئية و القروية هي رافد أساسي للتنمية المستدامة بهاته المناطق و شرائحها الإجتماعية و ليس فقط ربحا سياحيا لذلك وجب على الوزارة الوصية و الحكومة المغربية العمل بجد على هذا المنتوج الواعد مستقبلا …
تحياتي لكم أصدقائي و إلى موضوع قادم بحول الله …
محمد تويمي بنجلون
فاس في : 27/09/2020

Loading...