قراءة في مشروع القانون 07.20 والمتمم لقانون 47.06 المتعلق بجبايات الجماعات المحلية..
الصفاء بريس : د. الحسن رشدي
يأتي هذا المشروع في سياق تراجع مداخيل الجماعات الترابية بشكل كبير بسبب أزمة كوفيد 19، فقد سجلت المعطيات الأخيرة لمالية الجماعات الترابية (النشرات الشهرية للخزينة العامة للمملكة) تراجع المداخيل العادية للجماعات الترابية بنسبة -9,3% ما بين مارس 2020 و غشت 2020 مقارنة مع نفس الفترة من السنة الماضية (25 مليار درهم غشت 2020) مقابل (ما يقارب 28 مليار درهم غشت 2019)، بحيث تراجعت الضرائب المباشرة بنسبة -6,9% (-21,8% بالنسبة للرسم المهنية، و -7,7% بالنسبة للرسم على الخدمات الجماعية، و -14,7% بالنسبة لرسم السكن، و -10% بالنسبة للرسم على الأراضي الحضرية غير المبنية …).
ومن المتوقع أن يستمر هذا التراجع في سنة 2021 نظرا لتضرر الأنشطة المهنية، وتوقف العديد منها طيلة مدة الحجر الصحي، وهذا سيقلص من حجم مداخيل أهم الرسوم التي تستفيد منها الجماعات (الرسم المهني ورسم الخدمات الجماعية والرسم على الاقامة في المؤسسات السياحية والرسم على محلات بيع المشروبات والرسم المقبوض في الأسواق والأماكن العامة…).
وبالتالي، فهذا السياق يحتاج إلى مشروع قانون يعزز الموارد الذاتية للجماعات الترابية كصمام أمان للأزمات المالية المستقبلية.
وتتجلى أهمية قانون الجبايات المحلية، بصفة عامة، في كونه ينظم التوزيع العمودي للسلطة الجبائية بين الدولة والجماعات الترابية، ومقتضياته هي المؤشر الحقيقي على مدى استقلالية الوحدات الترابية والتنزيل السليم لمبدأ التدبير الحر.
وبالعودة إلى المشروع الذي صادق عليه المجلس الحكومي، فهو مغير ومتمّم لقانون 47.06 المتعلق بجبايات الجماعات المحلية، ويتضمن 6 مواد أتت لتعديل وتغيير 59 مادة ونسخ وتعويض 11 مادة من القانون الجبائي الحالي.
وقد جاء في المذكرة التقديمية للمشروع أن هذا الأخير يشكل مرحلة أولية للإصلاح، بمعنى أن الإصلاح الحقيقي للجبايات المحلية لم يتم بعد، فالمشروع جاء ببعض التعديلات البسيطة فقط في أفق القيام بإصلاحات أخرى مرتبطة أساسا بثلاث مرتكزات أساسية :
صدور القانون الإطار المتعلق بالجبايات؛
مخرجات المناظرة الوطنية للجبايات؛
ما سينبثق عن أشغال اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي.
وعليه، فهذا المشروع جاء ليعالج بعض الأمور البسيطة المرتبطة بتدبير الجبايات واستبدال بعض العبارات، كاستبدال “الجماعات المحلية” بـ “الجماعات الترابية” و “دوائر الجماعات الحضرية” بـ “المدارات الحضرية” و “الجماعات القروية” بـ “الجماعات التي لا يشمل نفوذها الترابي مدارا حضريا”… وذلك تماشيا مع مقتضيات دستور 2011 والقوانين التنظيمية للجماعات الترابية الصادرة سنة 2015.
كما أتى المشروع بإمكانية الأداء لدى المحاسب العمومي المكلف بالتحصيل إلى جانب شسيع المداخيل لدى الجماعة بالنسبة للرسوم التي تقوم الجماعات بتدبيرها لذاتها، وتم توسيع مجال تطبيق بعض الرسوم ومراجعة توزيع عائد الرسم المهني ورسم السكن، وادراج الرسم على المركبات الخاضعة للفحص التقني ضمن الرسوم التي تقوم الإدارة بمراقبة اقراراتها، واستخلاص الرسم على رخص الصيد البري والرسم على رخص السياقة من طرف القباض التابعين للخزينة العامة للمملكة…
بمعنى أن هذه التعديلات كان من المفروض القيام بها مباشرة بعد صدور القوانين التنظيمية للجماعات الترابية، فهي لا تحتاج الى كل هذا الوقت، مادام هذا المشروع لم يعالج الأمور الجوهرية التالية :
لم يأتي بجبايات جديدة تعزز الموارد الذاتية للجماعات الترابية وتعزز قدراتها التدبيرية في هذا لمجال، ولم يلغي الرسوم ذات المردودية الضعيفة وبالتالي تجويد الجبايات المحلية؛
لم يعالج التفاوتات الجبائية بين الجماعات الترابية سواء العمودية أو الأفقية، فهو يكرس نفس الوضع القائم منذ عقود، فمثلا الجهات مازالت تستفيد من ثلاث رسوم فقط، وأغلب هذه الرسوم تستفيد منها الجهات المطلة على البحر؛
لم يوحد النصوص القانونية المنظمة للجبايات المحلية، وبالتالي، الاستمرار في تطبيق 13 مادة منظمة لـ 13 رسم بقانون 30.89 بصورة انتقالية منذ سنة 2007؛
الإبقاء على تدبير ما يمكن تسميته “بالرسوم السيادية” من طرف الدولة لصالح الجماعات، وهي بالمناسبة ذات المردودية العالية، (الرسم المهني، رسم السكن، رسم الخدمات الجماعية).
إذن، فهذا المشروع هو تعديل شكلي فقط، في انتظار اصلاح حقيقي للجبايات المحلية يكون مدخلا لتقوية وتعزيز المداخيل الذاتية للجماعات الترابية.