دور القضاء في جرائم الأعمال..

عزيز أزوكاغ خريج ماستر العلوم الجنائية والأمنية..

یعد التطور الحاصل في المیادین الاقتصادیة والمالیة التجاریة، وما رافقه  من تقدم سریع في تكنولوجیا المعلومات ووسائل الاتصالات، من العوامل التي أسھمتفي تغییر نمط السلوك البشري وظھور جرائم مستحدثة تجاوزت النصوص الجنائیةالتقلیدیة مما حدا بالتشریعات إلى سن المزید من القوانین الجنائیة قصد تأمین الحمایة اللازمة للمصالح المستھدفة.
وكان من مظاھر التوسع في نطاق القوانین الجنائیة في القرن العشرین ومطلع
القرن الحالي ما شھده مجال الأعمال أو ما یطلق علیھ الجرائم الاقتصادیة عموما،
وقد عرف ھذا الإجرام حجما متزایدا على المستوى العالمي، حیث أصبح یمثل
خطرا حقیقیا یھدد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي لدول المعمور بل
ویھدد النظم الدیمقراطیة ذاتھا.
وقد اصطلح على تسمیة مرتكبي جرائم الأعمال بذوي الیاقات البیضاء كدلیل
على قوتھم الاقتصادیة ونفوذھم السیاسي وذكائھم اللافت، مما جعلھم ذوي الحظوة
والمكانة في المجتمع، وفي غالب الأحوال تكون القیم الأخلاقیة لدیھم محدودة لأن
تحقیق الربح ھو الھدف الأساسي لمجمل نشاطھم فیحاولون التھرب من الضرائب،
ومخالفة أنظمة الشركات وتبیض أوالھم غیر المشروعة وما إلى ذلك.
لذلك فإن جرائم الأعمال فھي تشكل تلك الأفعال الإیجابیة أو السلبیة المجرمة بنص
القانون والتي تستھدف بالدرجة الأولى الاعتداء على الخیارات والسیاسات
الاقتصادیة التي تتبناھا الدولة في میدان الأعمال.
وإذا كان میدان الأعمال ھو مجال خصب للمبادرة الحرة والمنافسة التي تعود
بالنفع الاقتصادي الوطني فإن ھذه المبادرة تأبى أي تدخل تشریعي لتجریم الأفعال
التي قد تكون من صمیم ھذه المبادرة الحرة، لكن إذا كان من شأن ھذه الأفعال أن
تنال من حقوق الغیر بما فیھا حقوق الدولة، فإن تدخل ھذه الأخیرة لضبط
الممارسات وزجرھا یصبح ضروریا على اعتبار أن الأضرار التي ستنجم عن ھذه
الحریة المطلقة سوف لن تقتصر على الضحیة المباشرة، وإنما ستتجاوزھا إلى ما
ھو أكبر وأفظع على اعتبار أن إطلاق العنان لرجال الأعمال لإدارة مشاریعھم
الاقتصادیة على النحو الذي یروقھم دون حسیب أو رقیب سیؤدي إلى تكریس
الفوارق الاجتماعیة والغناء الفاحش على حساب الطبقات الضعیفة من فئات العمال
والأقلیة من الشركاء وعلى حساب الدولة نفسھا بالتھرب من أداء الضرائب وغیرھا
ن التصرفات التي تعود بالنفع على رجال الأعمال دون غیرھم من المتعاملین.
وللحیلولة دون وقوع مثل ھذه الأضرار قرر المشرع في جدل الدول التدخل في
میدان الأعمال لتجریم عدد كبیر من الأفعال التي یقدم علیھا رجال ھذا المیدان،
وبالتالي فإن مجالات تدخل المشرع الجنائي المغربي في میدان الأعمال كثیرة بحیث لا نكاد نجد مقتضیات قانونیة منظمة لھذا المجال أو ذاك مما یدخل في میدان
الأعمال دون أن یردفھ المشرع بمقتضیات جنائیة تجرم أفعال معینة وتعاقب علیھا.
وبناء علیھ، فقد تدخل المشرع المغربي بمقتضیات جنائیة في میدان الضرائب
بتجریم الغش الضریبي، وفي میدان الشركات التجاریة بتجریم عدد كبیر من
الأفعال سواء في شركة المساھمة المنظمة بموجب القانون رقم 17-95 أو في
الشركات التجاریة المنظمة بموجب القانون 5-96 لدرجة وصف ھذین القانونین
بالقانون الجنائي للشركات وذلك قبل أن یتدخل المشرع في سنة 2008 بموجب
القانون 05-20 للتلطیف من شدة ھذه المقتضیات الزجریة بإلغاء بعضھا وتخفیف
العقوبة في البعض الآخر، كما تدخل المشرع الجنائي في المیدان البنكي والبورصة
والأوراق التجاریة ومساطر صعوبات المقاولة والمعالجة الآلیة للمعطیات وغسیل
الأموال والمنافسة والغش في البضائع.
لذلك فإن ھذا التدخل الكثیف للقانون في میدان الأعمال وكذا ظاھرة البحث عن
إسناد المسؤولیة وتحدید المسؤول عنھا أمام القضاء كلما كان ھناك خطأ، كل ذلك
أصبح یعتبر تحدیا ویثقل مسؤولیة الدولة في توفیر الأمن القانوني لعالم الأعمال
وھو ما یفرض تھیئ العدالة بكل مكوناتھا لمواجھة ھذا الوضع.
إن توفیر الأمن القانوني لعالم الأعمال أصبح یدخل في استراتیجیة عامة للتنمیة،
تستدعي إیجاد إطار قانوني وتنظیمي ومؤسساتي كفیل بالتحفیز على الاستثمار
وتشجیعھ، ویوجد القضاء في صلب ھذه الاستراتیجیة باعتباره دعامة للأنشطة
الاقتصادیة، بحیث أصبح المستثمرون یضعون في حساباتھم وضعیة النظام القانوني
والقضائي للبلد الذي سیوظفون فیھ رسامیلھم ومع عولمة الاقتصاد فقد أصبح
الاستثمار یطالب أیضا بعولمة القانون والقضاء، حتى یضمن الاستثمار لنفسھ نفس
المعاملة أینما یكون.
ولذلك كان للقضاء طرقا عدة للتدخل في النشاط الاقتصادي نتیجة المھام الملقاة
على الجھاز القضائي سواء في المیدان المدني أو التجاري أو الإداري وبالأخص
المیدان الجنائي، إذ الأعمال توجد في كل مجال والقضاء یبت في تلك المنازعات
المرتبطة بالنشاط الاقتصادي أیا ن كان القائم بھ : شخص مدني أو تجاري ، شخص
طبیعي أو اعتباري إذ في كل یوم تصدر قرارات تھم المیدان الاقتصادي وعلى
جمیع المستویات: المقاولات، العمال، المستھلكون، السلطات العامة، والجماعات
المحلیة.

Loading...